[url=http://infocenter/ASP/WatSubj.asp?id=63410]التعب
نسائي والقرار ذكوريد. فوزية البكر*
العدد: 87 التاريخ: 25/12/2000 الصفحة: 18 القسم: الرأي
حداثة دخول المرأة العربية مجال المشاركة العامة وخاصة في منطقة الخليج، أسقطت
على هذه المشاركة الكثير من التبعات التاريخية والاجتماعية، التي ينوء بها وضع
المرأة أصلاً في هذه المجتمعات، وانسحب هذا على مجالات المشاركة المهنية المتاحة
ونوع المشاركة ومداها. كنتيجة أصبحت النساء وخاصة في الأطر المهنية أسيرات لتوقعات
ترتبط بوضعهن كنساء أكثر مما ترتبط بقدرتهن كعاملات، مما ساهم في صياغة توقعات
المؤسسات عنهن، توقعات النساء أنفسهن من ذواتهن كمهنيات ثم خصوصية التنظيمات
الإدارية التي وضعت لتناسب هذه التوقعات.
وحين دخلت المرأة مجال العمل استطاعت بجدارة أن تحمل أمانة العمل في عديد من
المؤسسات، وبتفوق يجدر بها أن تبلغه كموظفة، بل إنها هنا في المملكة كانت قادرة
على أن تحمل على سبيل المثال عبء العمل كاملاً في المؤسسات التعليمية وفي المراحل
كافة، وكذا الأمر بالنسبة لمجالات عمل عديدة في قطاعات أخرى كثيرة كالبنوك
والشركات النسائية الصغيرة. لكن محاصرة التوقعات المجتمعية والذكورية لها بحسب
الأدوار التقليدية للمرأة في المجتمعات الشرقية أوقعتها أسيرة هذه التوقعات بحيث
صدقت الغالبية من النساء العاملات أنهن مثلاً لا يمتلكن القدرة على صنع القرار، أو
تحمل ساعات العمل الطويلة، أو ساعات العمل الزائدة، أو تحمل ضغوطات العمل.. إلخ،
هذا من جهة المرأة العاملة نفسها، غير أن الأمر يبدو أكثر صعوبة من جهة الرجل
أيضاً، فرغم أن المرأة تعمل في العادة مع الرجل في مؤسسات مشتركة، حقاً في أماكن
معزولة خاصة بالنساء مثل المدارس والجامعات والبنوك النسائية وخلافه، إلا أن
رئيسها دائماً رجل ومتخذ القرار رجل تحاصره الفكرة الأساسية عن المرأة الأنثى
وخاصة عند صنع القرار أو تحصيل المال أو عقد الصفقات، بحيث يتعامل هذا الرجل
بعقلية تقليدية تسيطر عليها الرؤية الضيقة للمرأة الانفعالية الشديدة الحساسية
وغير الملتزمة بمعايير المؤسسات المهنية وغير القادرة على التحمل والتي تميل إلى
الدخول في الصراعات النسائية!
المرأة توسم أيضاً بأنها غير جادة إذ إن الجدية ليست من خصائص النساء ولسن قادرات
على كل حال على اتخاذ قرارات جادة تخصهن أو تخص من حولهن. ورغم أن المملكة كانت
تقريباً الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمكنت من إقامة مؤسسات نسائية 100%، إلا أن
القرارات الخاصة بهذه المؤسسات وحتى على مستوى الحدث اليومي تتخذ في الغالب بواسطة
رجال لم يتح لهم دخول هذه المؤسسات ورؤية ما يحدث على أرض الواقع، وهو الأمر الذي
تعانيه بشدة وتشتكي منه بحرقة بالغة الكثير من العاملات في القطاعات النسائية بغض النظر
عن نوع الإدارة الحكومية التي يتبعن لها.
وتبعاً لهذه العقلية التي تحكم العمل النسائي من قبل الطرفين: الرجل والمرأة، تم
تجريد النساء من العمل الفعلي وترك لهن ما يسمى (بالكرف) والعمل اليومي الإجرائي
دون القدرة على اتخاذ قرارات فاعلة يرين بحكم تعاملهن اليومي أنها أجدر بأن تتخذ،
وتشتكي معظم العاملات في المؤسسات المشتركة من العقلية الذكورية التي تميز صراحة
بالنسبة لصنع القرار، ولذا يتوقع من المرأة مهما بلغ منصبها الوظيفي أو درجتها
العلمية أن تكون منفذة لما يتخذ من قرارات يرى العارفون ببواطن الأمور من الرجال
أنها يجب أن تتخذ!
والحق أن هذا الحديث الذي نديره الآن ليس من باب (الدفاع عن حقوق المرأة) بل فقط
لنطرح السؤال: ما الذي تحتمه مصلحة العمل بغض النظر عن متخذ القرار رجلاً كان أو
امرأة؟ لماذا لا توضع الأمور في نصابها وتعطى الموظفة في المؤسسات النسائية
استقلاليتها الإدارية ما دام أننا أمناها على العمل داخل هذه المؤسسات بما تحمله
من عبء يومي؟
إن المتابع لما يحدث في المؤسسات النسائية يجد هدراً واضحاً للمال وللجهد البشري
بشكل مخيف؛ نظراً لازدواجية غريبة في الشؤون الإدارية التي يجب أن يصادق عليها
الرجل دائماً وليعطي موافقته أو رفضه، وهو الذي لا يعرف أصلاً ماذا يحدث داخل هذه
المؤسسات إلا عبر ما يصله من أوراق ومستندات مدروسة ومكتوبة من قبل (الكرافات) من
النساء اللاتي يمضين جل نهارهن في ملاحقة المعاملات الإدارية وإنهائها وإرسالها
للمصادقة من قبل اللجان الرجالية على اختلاف مستوياتها الإدارية. بل إن الكثير من
المعاملات والأوراق تتعطل أو تضيع أو تنام وهي في حالة الأخذ والرد ما بين الأقسام
النسائية والرجالية، وفي حين لو أن الأمر كان أكثر بساطة بحيث يتاح للموظفة ذات
الخبرة الطويلة في مجال العمل (وهي من يتم اختيارها على كل حال لما يسمى تجاوزاً:
المناصب القيادية في المؤسسات النسائية) نقول لو أتيح لهذه المرأة أن تتخذ ما تراه
مناسباً لمصلحة العمل دون أن يحشر الرجل أنفه فيه لكان حال المؤسسات النسائية غير
هذه الحال، ولتمكنت المرأة الموظفة من أن تدفع بمؤسستها إلى الأمام بسرعة وبما
يحتاجه العمل بشكل مباشر وبتكلفة مالية أقل بكثير مما يهدر اليوم، كما أن ذلك
سيخلق مناخ عمل إيجابيا يشجع الطاقات المعطلة ويعطي للجنديات المجهولات حقهن
التاريخي المهدر بأن يميز الناس ما فعلنه ويفعلنه من عمل حقيقي، بدل أن ينسب
لآخرين لا يعرفون من العمل إلا أصداء المديح الذي يصلهم لإنجازاتهم الباهرة عبر
الصحف!،هذا عدا عن ما سينشره ذلك من مناخ ثقافي قد يقنع بعض النساء اللاتي صدقن
بعض هذه المقولات التاريخية المغلوطة عن الطبيعة النسائية فيساعدهن على أن يستعدن
ثقتهن بذواتهن كنساء وكعاملات في خدمة هذا الوطن.
* كاتبة سعودية
نافذة:
محاصرة التوقعات المجتمعية والذكورية للمرأة بحسب الأدوار التقليدية لها في
المجتمعات الشرقية أوقعتها أسيرة هذه التوقعات بحيث صدقت الغالبية من النساء
العاملات أنهن مثلاً لا يمتلكن القدرة على صنع القرار... [/url]