[url=http://infocenter/ASP/WatSubj.asp?id=38990]إيذاء
الأطفال بين الحقيقة والخيالد. فوزية البكر* كاتبة سعودية
العدد: 177 التاريخ: 25/03/2001 الصفحة: 20 القسم: الرأي
تبدو فكرة إيذاء الأطفال فكرة جديدة على الذاكرة الشعبية وهي حقاً طروحات جاءت
مع انتشار مفاهيم حقوق الإنسان التي نادت بها تيارات الحداثة في النصف الثاني من
القرن العشرين حيث ظهرت الأقليات المختلفة (عمال، نساء، ملونون) وكذلك الأطفال
للمطالبة بتعريف واضح لحدود التعامل معهم وهو ما جعل كثيراً من الممارسات التي
كانت تعد عادية في ثقافة ما قبل حين، مصنفة على أنها نوع من الإيذاء الموجه
للأطفال بمفاهيم اليوم. وتختلف الثقافات في المدى الذي تنظر فيه لحقوق الطفولة وهو
في الحق ما يحدد المدى الذي تمضي فيه هذه الثقافات، أيضاً لما يمكن اعتباره إيذاء
ففي حين يستطيع أحد الوالدين ضمن ثقافتنا المحلية تعنيف وربما ضرب الطفل في
الأماكن العامة، يعد هذا خرقاً مباشراً لحقوق الطفولة وإيذاء يستوجب تدخل الدولة
لحماية الطفل وربما نزع حق حضانته من والديه ضمن ثقافات أخرى. وعلى الرغم من أنني
شخصياً أقف ضد كل أنواع الإيذاء اللفظي منه والجسدي الذي يقع على الأطفال إلا أنني
أعتقد أن هناك حدوداً لما يحق للدولة التدخل فيه ومنها قضية نزع الحضانة عن
الوالدين لأن باحثاً اجتماعياً من مصلحة الخدمات الاجتماعية مثلاً كتب تقريراً
يشكك فيه بصلاحية حضانة الوالدين لأسباب يراها وهو ما يحدث بشكل متكرر في أمريكا
أو بريطانيا كما نقرأ أو نتابع عبر أجهزة الاتصالات.
وفي كل حال فموضوع إيذاء الأطفال هو مفهوم حقيقي يجب أن نتعود عليه بحكم التغير
القيمي الذي طال مفاهيمنا حول مواقع الصغار والكبار وإذا كنا قد تحملنا التعنيف أو
التوبيخ من قريب أو معلم ونحن صغاراً فلأن ذلك كان أمراً سائداً قبلناه لأننا لم
نملك خياراً أفضل وهون آثاره علينا تعرض الجميع له دون أن يعني هذا أنه لم يترك
آثاراً مدمرة خلفت كل هذه الملايين من العقد النفسية الواضحة أو الخفية التي تتحكم
في سلوكنا ومشاعرنا وردود أفعالنا، ولك أن تظل داخل كل مؤسسة أو دائرة لترى العجب
من السلوك والفعل الذي يرجع في جزء كبير منه إلى خبرات مدمرة تعرض لها هؤلاء
(العقلاء) وهم صغار!.
والإيذاء لا يقصد به بالضرورة إيذاء مقصود ومتعمد على الطفل بل ربما يكون نتيجة
نوبة غضب عارمة أو عقد خفية أو شعور بالفشل أو اليأس من قبل الكبار والمهم أنه
إيذاء يؤدي إلى إحداث أذى بدني أو نفسي للطفل القاصر سواء بالضرب المباشر أو
السخرية أو الإهمال أو حتى الإيذاء الجنسي وهو يقع في أغلب الأحيان من الوالدين أو
من الأشخاص المحيطين بالطفل أو المكلفين برعايته.
وتسجل أقسام الطوارئ والخدمات الاجتماعية في المستشفيات كثيراً من حوادث الاعتداء
على الأطفال بكل أشكاله إلى الحد الذي دفع بمستشفيين كبيرين في مدينة الرياض إلى
تخصيص (خط ساخن) يمكن الضحايا الأكبر سناً والقادرين على الاتصال من استخدامه
للإبلاغ عن حوادث الإيذاء المختلفة.
وقد اختلف الباحثون في تحديد الأسباب التي تدفع أحد الأفراد للقيام بإيذاء طفل
ولكنها تنوعت بين أسباب عدة إذ ربما تكون ذات علاقة بالضحية: الطفل أو بالشخص
المتسبب في الإيذاء أو بالمجتمع الذي يقع فيه هذا الإيذاء، فقد وجد مثلاً أن هناك
علاقة بين عمر الطفل ووقوع الأذى عليه فكلما قل عمره زاد احتمال تعرضه للإيذاء
ووجد أن البنات أكثر عرضة للإيذاء الجنسي من البنين وأن الطفل الأول أكثر عرضة
للإيذاء من بقية إخوانه كما أن المصاب بعاهة جسدية أو عقلية هو الآخر أكثر عرضة
للإيذاء بأنواعه المختلفة، كما وجد أن أطفال الأسر المنفصلة أو الأطفال الذين
يعيشون في منزل كبير يضم أكثر من أسرة أو من يعيشون داخل أسر متصارعة هم عرضة
للإيذاء أكثر من غيرهم كما يلعب ضعف الوازع الديني والقيمي عند الأبوين أو
المحيطين دوراً أساسياً في إيقاع الإيذاء على الطفل إضافة إلى أن إصابة أحد
الوالدين بأمراض نفسية أو عقلية أو حتى صغر سن الوالدين قد يؤدي إلى ذلك.
ويلعب المجتمع الذي يوجد فيه الطفل دوراً أساسياً في تحديد نوع ودرجة الإيذاء ففي
بعض المجتمعات ترتفع معدلات الجريمة لأسباب عديدة منها المدنية أو ضعف القيم
الدينية والأخلاقية أو تقبل صور الجريمة كأحد أشكال الحياة العامة أو انتشار العنف
في أجهزة الأعلام مما يطرح نماذج مشوهة يقتدي بها بعض الناس وخاصة صغار الوالدين،
بالمقابل ربما ترتفع معدلات إيذاء الأطفال في بعض المجتمعات كالشرقية منها على
سبيل المثال لأن كثيراً من نماذج السلوك التي تعد مقبولة وقد ينظر إليها كأحد
وسائل التأديب التي يرى الآباء أن من حقهم إيقاعها على الأطفال كالزجر المتكرر أو
التأنيب النفسي أو الإهمال والحرمان أو استخدام الألفاظ الجارحة أو حتى إشباع
الطفل بالشعور الدائم بالذنب لتسخيره لخدمة الأسرة أو المحيطين كلها أنماط من
التربية قد تعرف اليوم على أنها في حال تكرار حدوثها وتكثيف هذا الحدوث إحدى وسائل
إيقاع الأذى على الطفل.
وعلى الرغم من أنه لا توجد دراسات كثيفة في هذا المجال تمت في المنطقة العربية
وبالأخص في السعودية عن موضوع إيذاء الأطفال إلا أن دراسة الدكتورة نورة بنت مساعد
حوت كثيراً من المعلومات القيمة حول الموضوع وهي بحق تعد الدراسة الأولى من نوعها
في هذا المجال حيث حاولت التعرف على ما ينقل من حالات إلى المستشفيات عبر
الاختصاصيين الاجتماعيين العاملين هناك وأسباب وأنواع الإيذاء... إلخ، لكن حتى
نعرف أن مفهوم الإيذاء مفهوم صعب وغير مقبول في الثقافة المحلية يمكن لنا أن نتصور
قلة الحالات التي تم تسجيلها على أنها إيذاء أصلاً وتمت متابعتها رسمياً، ولذا
أعتقد أن الدراسات الاجتماعية التي تركز على عينات عشوائية مأخوذة من الأحياء
المختلفة مع إدخال متغيرات متعددة كالمدينة والحي والمستوى الاجتماعي والاقتصادي
والتعليمي للأسرة يمكن أن تكون مثمرة جداً في هذا المجال وإلى أن يتم لنا ذلك فلن
تكون هناك دراسات وإحصاءات فعلية لرصد وتتبع هذه الظاهرة ضمن نطاق المجتمع المحلي.
كل ذلك لا يمنع من الاعتراف بوجود الظاهرة وذلك على سبيل تكثيف الوعي بها وهو ما
يؤدي بالضرورة للإقلال منها فحين يدرك الأب مثلاً الضرر النفسي الذي يمكن أن يقع
على فلذة كبده من جراء تعنيفه أمام الجيران أو الأقارب فسيحاول مداراة ذلك وحين
تتنبه الأم إلى وقع كلماتها الصاروخية على أبنائها فستقلل من التأنيب والتخويف
واللوم والذم وهكذا إلى أن نأتي إلى حالات الإيذاء الحقيقية للأطفال التي يتحتم
فيها إيجاد أجهزة اجتماعية مهمتها متابعة أحوال الأطفال داخل الأسر المضطربة
وتقديم الاستشارات الأسرية والزوجية وإيقاظ النوازع الدينية لدى الوالدين لتذكيرهم
بالأمانة التي وضعها الخالق بين أيديهم ولتوفير الرعاية الجسمية والنفسية للأطفال
لتخفي آثار الإيذاء عليهم. كما يبدو من الضروري إعطاء الأجهزة التي تمر عليها هذه
الحالات كالمستشفيات ومؤسسات رياض الأطفال والمدارس القدرة على التصرف والحركة عند
اكتشاف هذه الحالات من خلال قوانين واضحة يضعها المشرع لحماية الطفل المعتدى عليه
من المعتدي إذ ما يحدث اليوم هو أن الطفل وبعد اكتشاف العدوان عليه وعلاجه لا يملك
المستشفى أو المدرسة سوى إعادته لنفس الشخص والمكان الذي تسبب في الأذى دون أدنى
متابعة من أي جهة لعدم وجود قوانين واضحة تنظم علاقة الطفل بوالديه في حالة وقوع
الأذى ولعدم وجود أجهزة حكومية أو حتى تكليف القائمين بمتابعة وكتابة التقارير
الخاصة بهذه الحالات فأي حاضر ومستقبل ينتظر مثل هؤلاء الأطفال وهم يرون يد
المجتمع مكفوفة عن تقديم المساعدة التي يعجزون عن تقديمها لأنفسهم ومتى يستيقظ
حسنا الإنساني بحق الطفولة أمام سيل التجاوزات التي تزداد مع تعقد الحياة وضعف
الوازع الديني وانتشار الأمراض العصابية.
نافذة:
"..فأي حاضر ومستقبل ينتظر مثل هؤلاء الأطفال وهم يرون يد المجتمع مكفوفة عن
تقديم المساعدة التي يعجزون عن تقديمها لأنفسهم.. ومتى يستيقظ حسنا الإنساني بحق
الطفولة أمام سيل التجاوزات التي تزداد مع تعقد الحياة وضعف النوازع الدينية
وانتشار الأمراض العصابية؟!". [/url]